محمــد حجــازي المدير العام
العمر : 29 نقاط : 53702 عدد المساهمات : 3456 تاريخ التسجيل : 29/06/2012 الموقع : أم الدنيـــــــــــــــا
| موضوع: تفسير قوله سبحانه وتعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ) آل عمران/149. الأربعاء ديسمبر 26, 2012 12:39 am | |
| السؤال: هل يمكنكم بيان تفسير الآيات 144، 149 من سورة آل عمران ؟
الجواب :
الحمد لله الحمد لله الآيات المقصودة في السؤال هي قول الله عز وجل : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ) آل عمران/144. وقوله سبحانه وتعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ) آل عمران/149. أما الآية الأولى فقد سبق تفسيرها بتوسع في موقعنا في الفتوى رقم : (125877) . وأما الآية الثانية فالكلام في تفسيرها يمكن اختصاره في المباحث الآتية : أولا : سياق الآيات يقول سيد قطب رحمه الله : " لقد انتهز الكفار والمنافقون واليهود في المدينة ما أصاب المسلمين من الهزيمة والقتل والقرح ، ليثبطوا عزائمهم ، ويخوفوهم عاقبة السير مع محمد ، ويصوروا لهم مخاوف القتال ، وعواقب الاشتباك مع مشركي قريش وحلفائهم ، وجو الهزيمة هو أصلح الأجواء لبلبلة القلوب ، وخلخلة الصفوف ، وإشاعة عدم الثقة في القيادة ، والتشكيك في جدوى الإصرار على المعركة مع الأقوياء ، وتزيين الانسحاب منها ، ومسالمة المنتصرين فيها ، مع إثارة المواجع الشخصية والآلام الفردية ، وتحويلها كلها لهدم كيان الجماعة ، ثم لهدم كيان العقيدة ، ثم للاستسلام للأقوياء الغالبين ! ومن ثم يحذر الله الذين آمنوا أن يطيعوا الذين كفروا ، فطاعة الذين كفروا عاقبتها الخسارة المؤكدة ، وليس فيها ربح ولا منفعة ، فيها الانقلاب على الأعقاب إلى الكفر ، فالمؤمن إما أن يمضي في طريقه يجاهد الكفر والكفار ، ويكافح الباطل والمبطلين ، وإما أن يرتد على عقبيه كافراً - والعياذ بالله -، ومحال أن يقف سلبياً بين بين ، محافظاً على موقفه ، ومحتفظاً بدينه إنه قد يخيل إليه هذا ، يخيل إليه في أعقاب الهزيمة ، وتحت وطأة الجرح والقرح ، أنه مستطيع أن ينسحب من المعركة مع الأقوياء الغالبين وأن يسالمهم ويطيعهم ، وهو مع هذا محتفظ بدينه وعقيدته وإيمانه وكيانه ! وهو وهم كبير ، فالذي لا يتحرك إلى الأمام في هذا المجال لا بد أن يرتد إلى الوراء ، والذي لا يكافح الكفر والشر والضلال والباطل والطغيان لا بد أن يتخاذل ويتقهقر ويرتد على عقبيه إلى الكفر والشر والضلال والباطل والطغيان ! والذي لا تعصمه عقيدته ولا يعصمه إيمانه من طاعة الكافرين ، والاستماع إليهم ، والثقة بهم ، يتنازل- في الحقيقة - عن عقيدته وإيمانه منذ اللحظة الأولى ، إنها الهزيمة الروحية أن يركن صاحب العقيدة إلى أعداء عقيدته ، وأن يستمع إلى وسوستهم ، وأن يطيع توجيهاتهم ، الهزيمة بادئ ذي بدء . فلا عاصم له من الهزيمة في النهاية ، والارتداد على عقبيه إلى الكفر ، ولو لم يحس في خطواته الأولى أنه في طريقه إلى هذا المصير البائس ، إن المؤمن يجد في عقيدته ، وفي قيادته غناء عن مشورة أعداء دينه وأعداء قيادته ، فإذا استمع إلى هؤلاء مرة فقد سار في طريق الارتداد على الأعقاب ، حقيقة فطرية وحقيقة واقعية ، ينبه الله المؤمنين لها ، ويحذرهم إياها ، وهو يناديهم باسم الإيمان " انتهى من " في ظلال القرآن " (1/490-491) . ثانيا : الأقوال في الآية الكريمة يقول ابن الجوزي رحمه الله : وفي ( الَّذِينَ كَفَرُوا ) هاهنا ثلاثة أقوال : أحدها : أنهم المنافقون ، على قول ابن عباس ، ومقاتل . والثاني : أنهم اليهود والنصارى ، قاله ابن جريج . والثالث : أنهم عبدة الأوثان ، قاله السدي . قالوا : وكانوا قد أمروا المسلمين بالرجوع عن دينهم " انتهى من " زاد المسير في علم التفسير " (1/333) . قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " وقوله : ( إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا ) : عامة ، تشمل اليهود والنصارى والمشركين والملاحدة الذين ليس لهم دين ، ولا يتعبدون بشيء ؛ أي واحد من الكفرة إذا أمرك بشيء فأطعته ، فإنه يردك على أعقابك فتنقلب خاسرا " انتهى من "تفسير سورة آل عمران" (2/280) . وقال الشيخ ابن سعدي رحمه الله : " وهذا نهي من الله للمؤمنين أن يطيعوا الكافرين من المنافقين والمشركين ، فإنهم إن أطاعوهم لم يريدوا لهم إلا الشر ، وهم قصدهم ردهم إلى الكفر الذي عاقبته الخيبة والخسران . ثم أخبر أنه مولاهم وناصرهم ، ففيه إخبار لهم بذلك ، وبشارة بأنه سيتولى أمورهم بلطفه ، ويعصمهم من أنواع الشرور . وفي ضمن ذلك الحث لهم على اتخاذه وحده وليا وناصرا من دون كل أحد ، فمن ولايته ونصره لهم أنه وعدهم أنه سيلقي في قلوب أعدائهم من الكافرين الرعب، وهو الخوف العظيم الذي يمنعهم من كثير من مقاصدهم، وقد فعل تعالى . " انتهى من "تفسير السعدي" (151) . ثالثا : اختلف العلماء في تحديد المراد بطاعة الكفار الذي جاء التحذير منها ، وذلك على أقوال: جاء في " مفاتيح الغيب " (9/383) : " قوله : ( إن تطيعوا الذين كفروا ) لا يمكن حمله على طاعتهم في كل ما يقولونه ، بل لا بد من التخصيص : فقيل : إن تطيعوهم فيما أمروكم به يوم أحد من ترك الإسلام . وقيل : إن تطيعوهم في كل ما يأمرونكم من الضلال . وقيل : في المشورة . وقيل : في ترك المحاربة ، وهو قولهم : ( لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ) آل عمران/156" انتهى باختصار . ويقول العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله : " أراد من هذا الكلام تحذير المؤمنين من أن يخامرهم خاطر الدخول في صلح المشركين وأمانهم ؛ لأن في ذلك إظهار الضعف أمامهم ، والحاجة إليهم ، فإذا مالوا إليهم استدرجوهم رويدا رويدا ، بإظهار عدم كراهية دينهم المخالف لهم ، حتى يردوهم عن دينهم ؛ لأنهم لن يرضوا عنهم حتى يرجعوا إلى ملتهم ، فالرد على الأعقاب على هذا يحصل بالإخارة والمآل ، وقد وقعت هذه العبرة في طاعة مسلمي الأندلس لطاغية الجلالقة ، وعلى هذا الوجه تكون الآية مشيرة إلى تسفيه رأي من قال : ( لو كلمنا عبد الله بن أبي يأخذ لنا أمانا من أبي سفيان )، كما يدل عليه قوله : ( بل الله مولاكم ) ويحتمل أن يراد من الطاعة طاعة القول والإشارة ، أي الامتثال ، وذلك قول المنافقين لهم : لو كان محمد نبيئا ما قتل ، فارجعوا إلى إخوانكم وملتكم ، ومعنى الرد على الأعقاب في هذا الوجه أنه يحصل مباشرة في حال طاعتهم إياهم " انتهى من " التحرير والتنوير " (4/122) . والله أعلم .
موقع الإسلام سؤال وجواب | |
|