محمــد حجــازي المدير العام
العمر : 29 نقاط : 53702 عدد المساهمات : 3456 تاريخ التسجيل : 29/06/2012 الموقع : أم الدنيـــــــــــــــا
| | السيرة الذاتية للشيخ عبد المنعم الطوخي | |
عاش في كبرياء.. ورحل في صمت «شيخ قراء الإسكندرية».. عبد المنعم الطوخي«شيخ قراء الإسكندرية».. الشيخ عبد المنعم الطوخيهناك أشخاص يعيشون في كبرياء.. ويموتون في صمت.. دون أن يعلم أحد عنهم شيئًا.. كان هو أحدهم.. عاش في الزمن الجميل فأصبح واحدًا من كوكبة القراء، الذين حظيت بهم مصر، وصار مصدرًا لإلهام العديد من المقرئين الجدد، الذين اتخذوا من عذوبة صوته ونقاء حسه هاديًا لهم.. فكان فخرًا لمحافظة الإسكندرية بنشأته بها وتلقيبه بــ«شيخ قراء الإسكندرية».. هو الشيخ عبد المنعم الطوخي.
كانت محافظة المنوفية، مسقط رأس الشيخ عبد المنعم الطوخي، إذ ولد في إحدى قراها عام 1945، وفي كتاتيبها كانت نشأته الحقيقية، خاصة أن والده كان حافظًا للقرآن، ولم يكن تجاوز السابعة من عمره، حينما فطن والده إلى موهبته ونبوغه في الحفظ والترتيل، وتمتعه بصوت خاشع عذب، ولم يحتج إلا لعامين حتى يتم حفظه للقرآن كاملًا. ومع ذلك داوم والده على مراجعته، وإرساله إلى العديد من مشاهير المحفظين، ليتعلم على أيديهم أصول التلاوة وآدابها، دون الاعتماد فقط على جمال وقوة صوته، رزقه الله بطفلتين هما سمر وسحر، وهنا تحكي «سمر» مسيرة والدها القرآنية التي جعلت منه عالما كبيرًا يزاحم باقي المقرئين وهو في عمر أبنائهم.
كانت بداية الشيخ القرآنية في كتّاب بمركز تلا في محافظة المنوفية، وبعدها التحق بالأزهر الشريف في طنطا وبعد إتمام دراسته طاف أنحاء محافظة المنوفية مسقط رأسه، حتى ذاع صيته وشهرته وأصبح له محبوه ثم انتقل إلى الإسكندرية، التي كانت بداية حقيقية له، ولكل ما حققه من إنجازات خلال مشوار حياته.
تحكي ابنته «سمر» مسيرة والدها قائلة: «تعلم الشيخ عبد المنعم الطوخي، على يد كبار الشيوخ المشاهير في مصر، وفي مقدمتهم الشيخ محمد رفعت، والشيخ أبو العينين شعيشع، لكنه تأثر كثيرًا بمدرسة الشيخ مصطفى إسماعيل، الذي تنبأ له بمستقبل كبير في رحاب القرآن الكريم، وأحاطه برعايته واهتمامه وكان متابعًا لخطواته».
ورغم صغر سنه استطاع «الطوخي» أن يخترق الصفوف إلى كبار المقرئين، وأن يقتفي أثرهم، راغبًا بإخلاص في أن يتزود من خبراتهم ويتجول في مدارسهم المختلفة في التلاوة والتجويد، ولم يكن غريبًا مع إصراره وحرصه وإخلاصه للرسالة التي نذر نفسه من أجلها أن ينضم إلى صفوة قراء المصريين وهو في عمر أبنائهم، كالشيخ عبد الباسط عبد الصمد، الشيخ محمود علي البنا، الشيخ مصطفى إسماعيل، الشيخ محمد صديق المنشاوي، وغيرهم.
ولم يركن الشيخ لما حققه من شهرة في وقت قياسي بين مشاهير القراء إلى الوثوق والاغترار بعلمه، بل كان حريصًا على الدوام في أن يراجع حفظه، وأن يتعلم آداب التلاوة والقراءات العشر، مؤكدًا أنه لا كبير أمام القرآن الكريم. وفي عام 1977، كان الشيخ مدعوًا لتلاوة آيات الذكر الحكيم في افتتاح أحد مساجد «سيناء» في الجمعة الآخيرة من شهر رمضان، وكان الرئيس الراحل محمد أنور السادات من الحاضرين لهذا الافتتاح، واستمع بإنصات وخشوع لتلاوة «الطوخي»، وشد انتباهه بقوة أن يستمع لقارئ لم يبلغ الأربعين من عمره يمتلك براعة في الأداء، ودقة في مخارج الحروف، والوقفات.. ومنذ ذلك اليوم حرص «السادات» على سماعه باستمرار، كما حرص على اصطحابه في العديد من رحلاته الداخلية والخارجية.. كما أعجب بصوته العديد من رؤساء وملوك وأمراء العالم العربي و الإسلامي، وكثيرًا ما كان يتلقى دعوات منهم لتلاوة القرآن الكريم، وإحياء مختلف المناسبات الإسلامية.
كان شهر رمضان فرصة مثالية للشيخ لينطلق في العديد من أرجاء العالم الإسلامي والعربي، بحسب ابنته «سمر»، حيث حرص على التواصل مع مختلف الشعوب الإسلامية والجاليات في مختلف الدول الأخرى، وكان في كل مرة يجد صدى وتجاوبًا كبيرًا على المستويين الشعبي والرسمي، وكان من أوائل الدول التي حرص الشيخ على زيارتها المملكة العربية السعودية، باكستان، إيران، الصين، ومختلف الدول العربية، كما شارك في افتتاح العديد من المساجد والمراكز الإسلامية كما في افتتاح المركز الإسلامي في لندن، ولم يتردد يومًا في تلبية أي دعوة لتلاوة الذكر الحكيم مهما بعدت المسافة أو واجه من مشاقٍ، فكان أن وضع الله حبه في قلوب كل مستمعيه.
اختار الشيخ عبد المنعم الطوخي مدينة الإسكندرية مكانًا للاستقرار، وحقق فيها حضورًا واسعًا، حتى بات يلقب بـ«شيخ قراء الإسكندرية»، لكن مع ذلك لم يكن نشاطه محدودًا، بل كان ينطلق في كل الأرجاء ليتلو كتاب ربه، لم يتسرب الوهن إلى صوته على الرغم من تسرب المرض إلى جسده، وإصابته بمرض الكلى، فكان يتحامل على نفسه حتى لا يخذل محبًا لتلاوته.
كما كان عازفًا عن الأضواء رغم سعيها الحثيث وراءه، وظل لسنوات طويلة، رافضًا نصائح بعض شيوخه وزملائه وتلاميذه بالتقدم للإذاعة ليكون قارئًا معتمدًا بها، وحينما قبل على مضض أن يخوض التجربة تربص له البعض وحالوا دون ذلك، فانصرف عنها غير نادم، مكتفيًا بالرصيد الكبير الذي حققه بين مستمعيه في كل أرجاء العالم العربي، وبعدد لا يحصى من التلاميذ، الذين تأثروا بمدرسته واقتدوا به، وظل على هذا الحال لا يعرف مهمة له في الحياة سوى كتاب رب العالمين، في كل بقعة وطأتها قدماه داخل مصر وخارجها، لم يمنعه من أداء هذه الرسالة مرض أو طول سفر، أو مشقة، وظل رغم شدة المرض خاصة في الشهور الأخيرة من حياته وهو يكمل عامه الثاني والستين تاليًا للذكر الحكيم، وقدم تلاوات قبل يومين من رحيله لا يعتريها وهن أو ضعف، على الرغم من خضوعه لجلسات غسيل كلوي مكثفة، كان يستعد خلالها للسفر إلى الصين لإجراء عملية زرع كلى، وظل لآخر يوم في حياته يقرأ القرآن حتى وهو على فراش الموت وكانت سورة الرحمن آخر ما قرأ، إلى أن حل الأجل قبل أن يسافر، وصعدت روحه إلى رحاب ربه 17 أبريل2007.
وقد شيع جثمانه من مدينة شبين الكوم بالمنوفية إلى مدينة الإسكندرية جمع غفير من محبيه من شتى البلاد، فضلًا عن مئات من زملائه وتلاميذه ومنهم القارئ الشيخ أحمد البحيري، الشيخ مرضي أبو هريرة، الشيخ أحمد عثمان، الشيخ حامد منصور، الشيخ محمد البهلوان، الشيخ محمد القبلاوي، والشيخ محمد مدين، وأعلنت بعض البلاد مثل باكستان، وغيرها من الجاليات الإسلامية يوم وفاته يوم حداد رسمي، تقديرًا لرحلته النورانية مع القرآن الكريم.
لم يحصل الشيخ «الطوخي» على حقه من تقدير الناس له في حياته، ولا حتى بعد موته، ففي الوقت الذي تقوم إذاعة القرآن الكريم، بإذاعة تسجيلات المقرئين القدامى في مصر، حيث يرى أبناؤه وأسرته أن الإذاعة المصرية كستها الشيخوخة فتمكنت منها، وأن الأضواء سلطت على كبار المقرئين في إغفال واضح لآخرين، أفنوا حياتهم في قراءة القرآن ونشره لجميع بقاع الأرض، بأصواتهم العذبة.
وأكدت أسرته «زوجته وابنتيه سمر وسحر»، أنهم لا يريدون إلا بعض التقدير لوالدهم، مؤكدين دوره العظيم في نشر القرآن وتحبيب الناس به، خاصة غير المصريين، حيث كانت أوروبية مثل ألمانيا وإنجلترا، والآسيوية مثل باكستان، تكرمه فكيف بأبناء بلده ألا يجد تقديرًا منهم.
أضافت ابنته «سمر»: «واجه الشيخ اضطهادًا ممن استكثروا عليه دخول الإذاعة المصرية بعد أن حقق شهرة واسعة بدونها، فمنعوه من دخولها ووقفوا في طريقه، ولأنه كانت له شهرة واسعة بين محبيه، قام بالاستعناء عن ذلك بإحياء الحفلات الرسمية، فكان يطلبه كبار المسئولين».
ويحكي أحد أحفاده: «فوجئت بعد عام من وفاة الشيخ أن هناك ثلاثة طلاب من باكستان، لا يستطيعون التحدث بالعربية طلبوا منه أن يدلهم على مكان قبره، حتى يزوروه، إحقاقًا له»، وقال إن كل ما يأملونه أن يتم تقدير هذا العالم الجليل، بنشر قراءاته وتسجيلاته، مؤكدًا أن أسرته لا تريد أي عائد مادي من ذلك، فالهدف هو تقدير هؤلاء العظماء المغمورين الذين أفنوا حياتهم، ووهبوها لكتاب الله. وهكذا نريد من كل من عنده تلاوات لهذا الصوت الندي الرائع أن ينشرها وإن شاء الله سينال الجزاء العظيم........................ [/size] | |
|